نص طويل ولكنه مفيد جدًا في هذه المرحلة. فكلما فهمنا ما نواجهه، زادت قدرتنا على المواجهة بفعالية أكبر.
من المهم والضروري جدًا في هذه المرحلة الانتباه إلى استراتيجية العدو في المجال الادراكي اتجاه مجتمع المقاومة في لبنان. بات واضحًا أن العدو الاسرائيلي، بالتعاون مع جهات محلية ودولية وإقليمية، يقود حملة إدراكية واسعة، إعلامية ونفسية، بهدف تحقيق مجموعة منجزات تخدم مصالحه في لبنان. فيما يلي بعض النقاط حول استراتيجية العدو الإدراكية الحالية:
- تتقاطع استراتيجية العدو مع مفهوم ألماني يسمّى "بليتزكريغ بروباغندا" وهو مفهوم ضمن المجال الادراكي يسعى إلى تدمير العدو معنويًا ونفسيًا بسرعة كبيرة من خلال مجموعة واسعة من الأدوات الإعلامية والنفسية والتي يتم تفعيلها بعد الحرب العسكرية. وبحسب هذا المفهوم تتزامن العمليات الإدراكية مع عمليات عسكرية محدودة يتم توظيفها لتحقيق الهدف نفسه. بهذه الطريقة يريد العدو إرهاقنا معنويًا ونفسيًا من خلال عدم إعطاءنا الوقت الذي نحتاجه للتعافي حتى نصل إلى مرحلة الإنهيار بسرعة قياسية.
- من الواضح أن تحقيق أهداف الحرب الإدراكية يتطلّب من العدو التحكم في السردية التي تحيط بالأحداث الرئيسية في لبنان في مرحلة ما بعد الحرب. فمنذ نهاية الحرب يحاول العدو ومن تتقاطع مصالحه معه صياغة سردية مقنعة ومتماسكة ومتّسقة تبرّر العمل العسكري الاسرائيلي في لبنان وتتوافق مع أهداف هذا الفريق السياسية. مثلًا، تبرّر "اسرائيل" ومن معها اعتداءاتها العسكرية المستمرّة بعدم تطبيق لبنان للقرار ١٧٠١.
- إدارة التصوّرات بحيث يعمل العدو على تصوير المقاومة على أنها جسم معادي للدولة أو ميليشيا مسلّحة وهي أصل كل المشاكل والأزمات في لبنان.
- يستخدم العدو تكتيكات الحرب المعرفية (الخداع، وإنكار المعلومات، والتضليل) لكسر إرادة المقاومة ومجتمعها مما ينعكس على قدرتها على صنع القرار، وصولًا إلى إجبارها على تقديم تنازلات سياسية. يقوم العدو بهذا الأمر من خلال الترويج الدائم أن المقاومة هُزمت في الحرب وبالتالي يحب أن يتصرّف مؤيدوها على قاعدة أنهم مهزومون.
- "إغراق مجتمع المقاومة بالمغالطات" أو "حرب الإرهاق المعرفي" وهي استراتيجية تضليل تعتمد على إغراق الفضاء المعلوماتي بكم هائل من الأخبار الكاذبة أو المضللة أو السخيفة، بهدف إنهاكنا واستنزاف قدرتنا على الرد بفعالية. تقوم هذه الاستراتيجية على كثافة النشر، والتناقض في الرسائل، والتلاعب بالعواطف، وتشتيت الانتباه، مما يدفعنا إلى تبنّي موقف دفاعي دائم بدلاً من فرض روايتنا الخاصة. بهذه الطريقة يُجبرنا العدو على إضاعة الوقت في دحض الادعاءات بدلاً من التركيز على توجيه خطابنا. لمواجهة هذه الاستراتيجية بفعالية، يجب تجاهل الضوضاء الإعلامية، وصياغة الرواية مسبقًا، ونزع الشرعية عن مصادر التضليل، واستخدام الصمت الاستراتيجي في كثير من الأحيان، وتقديم قوية ومتسقة.
- رغم تقاطع مصالح أطراف مختلفة، محلية وإقليمية ودولية، في لبنان إلا أنه ليس كل ما يدور في المجال الادراكي من هجوم على المقاومة ومجتمعها مصدره العدو الاسرائيلي. فهناك حملات اسرائيلية خليجية أوروبية وأميركية، تعمل كل منها بشكل مستقل، لكنها تلتقي في هدف مشترك وهو إضعاف المقاومة.
الدكتور محمد حسن سويدان